السّبسي عجوزٌ فاشل مولودٌ من رحم الخراب التّجمّعي


بعد فرار "بن علي" شكّل السّبسي آخر أمل ٍ وآخر طوقِ نجاةٍ للدستوريّين التجمّعيين. السّبسي في السُّلطة أَوْصَلَ البلاد مُكْرَهًا لا بَطَلْ (بضغوطات داخلية وخارجية) إلى الإنتخابات التي هُزمت فيها أحزابه التجمّعيّة وحليفاتها اليساريّة. تاريخه وكتاباته وخطابه تَدُلّ كلّها أنّ شيخنا لم يؤمن يومًا في حياته بالثّورة أو بالدّيموقراطيّة, لا قبل الإستقلال ولا بعده ولا قبل ثورة الكرامة ولا بعدها.
البيت التجمّعيّ الدستوري انهار على أصحابه بسرعة جنونيّة بعد الثورة ففقدوا توازنهم وترنّحوا في كلّ مكان. من ذلك الخراب والدّمار أخرجوا لنا السّبسي وكلّهم رجاءٌ أن ينقذ ما يمكن إنقاذه وما كان قادرا على فعل شيء أمام الجثّة الهامدة وقد فارقت الحياة قبل وصوله. انتخابات أكتوبر منحت العائلة الدستوريّة البورقيبيّة رسميّا شهادة الوفاة.
جيء بالسّبسي إذا للإلتفاف على الثورة من خلال تحقيق مهمّتين أساسيّتين :
الأولى تتمثّل في تقزيم التصويت الشّعبي وجعل المجلس التأسيسيّ هيكلا بلا نفوذ أي محدود الصلاحيّات
والثانية هدفها ترتيب البيت التجمّعي حتى يسترجع الدستوريون البورقيبيون التجمّعيون زمام المبادرة ويواصلوا حكم تونس
ولكنّ السّبسي فشل بالكامل في هاتين المهمّتين الصعبتين الموكلتين إليه. كيف لا والشعب فرض خيار المجلس التأسيسي "كامل السّيادة" فلم يتمكّن السبسي وجماعته من أن يواصل في الحكم بعد الإنتخابات وكيف لا والأحزاب التجمعيّة مُنِيت بشرّ هزيمة في انتخابات أكتوبر المجيدة.
لقد حلُم هؤلاء مجتمعين (وإن كانت قلوبُهم شَتّى) وما زالوا يحلمون بأن يحقق لهم "السّبسي" ما عجز عنه "بن علي" أي "7 نوفمبر" جديد ينقذ به حكمهم الذي دام نصف قرن. فأنتجت قرائحهم المريضة أفكارًا وأفكارَا لعلّ أهمّها فكرة "محسن مرزوق" المتعلّقة بفرض استفتاء موازٍ للإنتخابات لم يكن له من هدفٍ إلاَّ الإبقاء على السّبسي في الحكم بعد تلك الإنتخابات حتّى يواصل إعادة ترتيب البيت التّجمّعيّ المنهار ولكن هيهات... جرت الرياح بما لا تشتهي سفنهم.

تصرّفاتهم اليوم واستنجادهم مرّة أخرى بالسّبسي تدلّ بوضوح أنهم في مأزق حقيقيّ لن ينقذهم منه شيخ شارف على التسعين من العمر لا حول له ولا قوّة إلاّ بعض التعاطف من بعض من ضنّوا أن الرّجل خدم البلاد لوجه الله خلال الفترة الإنتقاليّة. وها هو اليوم برجوعه إلى واجهة الأحداث يفضح أهدافه الحقيقيّة وأهداف من يدفعون به في متاهات ورهانات خاسرة. هؤلاء سيندثرون حتمًا كما اندثر كلّ المستخفّين بالعقول من قبلهم ولكن ليس قبل عدّة هزائم انتخابية متتالية يصفعهم بها شعبنا العظيم على وجوههم الصّفيقة. هذا الشعب الطيّب الذي نزع الخوف عن نفسه وكان له شرف تفجير ثورات الربيع العربي.
x لا تنسى الاشتراك في صفحتنا على الفيسبوك