الخطابُ الأحمر


الاثنين العاشر من جانفي 2011
توجه رئيس النظام الرئاسي التونسي، بخطاب ثان إلى الشعب التونسي المشغول بدفن قتلاه وبالبحث عن معتقليه.
لم يتسنَّ لي متابعة الخطاب بسبب احتقاري للتلفزة التونسية،من ناحية،ويأْسي من الكَتَبَة الذين اختارهم الرئيس للكتابة له.. هو الذي لم يدّعِ يوما أنه بارع في الخطابة أو في الكتابة.
فيما كان الرئيس يخطب وأنا لا أستمع، كان أحد أبرز الرسامين التونسيين يشرح لي آليات أسلوبه في الرسم فأجدها متطابقة تماما مع آليات الكتابة الشعرية.
وفيما كان النادل يصيح:
"استمعوا.. إن الرئيس يخطب"
كان صديقي الرسام بصدد الشك في أن النادل نادل بالفعل وكنت أنا أجيبُه:
ـ بالأمس رأيته في بدلة شرطي فكيف أتناول السمك من يده اليوم ؟
وخرجنا جوعانيْن نبحث عن مطعم "آمن"؟؟
الثلاثاء الحادي عشر من جانفي العاشرة صباحا:
أخذت قلما وورقة بيضاء وشرعت في قراءة خطاب الرئيس.
بعد القراءة وإعادة القراءة أمكن لي تلخيصه في المفردات الهجائية التالية:
ــ "شغب/تشويش/عصابات ملثمة/مغالطون/أحداث وراءها أياد/قلة من المناوئين الذين يغيظهم نجاح تونس/مغالطون مناوئون مأجورون/التطرف والإرهاب/الفضائيات المعادية.."
ولكوني من مواليد سنة 1955واذن: أكبر من الدولة بعام.. فقد فهمت في الحين أن الذين ساهموا في كتابة الخطاب هم أولئك العجائز الذين كتبوا نفس الخطب خلال الأحداث الدموية التي عاشتها تونس في الثلاثين سنة الأخيرة من القرن العشرين
وفهمت أيضا أن الخطاب تغلب عليه اللهجة العامية التي تُعَدُّ من أبرز خصائص النظام الحاكم في تونس:فكرا وكتابة وممارسة.
يأسف الرئيس "لوفاة مدنيين"وكأنه لا يعلم أن الأوامر أعطيت لرجال الأمن بإطلاق الرصاص الحي على المحتجين والمتظاهرين.
وان المتأمل في صور الضحايا وفي انجازات "قناصة الاستقلال" على صدور وقلوب ورؤوس التونسيين ليشك في أن تعازي الرئيس قابلة للقبول سواء من قبل أهالي المقتولين أو من قبل الله ذاته.
لا أعتقد أن الرئيس سيجيب على الأسئلة التالية ومع ذلك أطرحها عليه:
ما هو أكثر عنفا:
حرقُ بلدية لا تقوم بدورها أم تغيير الدستور من أجل مصالح شخصية ؟
ما هو أسطع إرهابا:
تهشيم مركز شرطة تورط أصحابه في قتل أبرياء أم تأجيل حقوق التعبير والتنظّم والتظاهر إلى بداية القرن المقبل..وربما إلى الآخرة ؟
من قتل أكثرَ من الآخر:نظام "فرحة الحياة " أم نظام :الأمن والأمان" ؟
الاستعمار الفرنسي أم الاستقلال التونسي؟
فجأة وبعد 23 عاما من الكذب الإحصائي والتزوير الإعلامي ومن النهب الفاضح انتفض التونسيون كمن أفاق من كابوس مزعج تخلّلته كذبة طالت أكثر من اللزوم..
وهاهم في الشوارع يتلقفون هداياكم ..متمثلة في القنابل والرصاص والسجون..فيما أنتم لا تزالون تعتقدون أن كل من يخالفكم الرأي ( ولو كان الشعب برمته) إنما هو "مغتاظ من النجاح الذي حققته تونس"؟؟
عن أي تونس تتحدثون ؟
عن تونس الافتراضية التي يزينها لكم مستشاروكم ؟
أم عن تونس التي يحتلها البوليس والحزب الحاكم؟
في شهر نوفمبر 1987 كتبتم بيانكم
وفي شهر ديسمبر2010 كتب محمد البوعزيزي بيانه.
كان بيانكم إداريا وكان بيانه رمزيا..
هذا هو الفارق الجوهري بين البيانين.
فارق يريده الشعب حاسما هذه المرة.. في تاريخ تونس الحديثة.
ملاحظة
منتصف الليل إلا ثلاثون دقيقة:
وأنا أكتب.. لا تزال الانتفاضة متواصلة والرصاص يُسمع وأخبار الهاتف لا تسر.
سؤال:
ـ كم ثمن الخطاب الرئاسي ؟
جواب:
ـ خمسة وعشرون قتيلا ؟؟
x لا تنسى الاشتراك في صفحتنا على الفيسبوك